الجمعة، 28 نوفمبر 2008

يوم طوارىء





هدوء يلف أرجاء المكان..صمت تام إلا من حديث متبادل مع (أحمد نوح ) فني الأشعة الموجود معي في النوبتجية .. كالعادة دوما نتجادل حول تغييرات (جوزية ) في اخر مبارة ومستقبل فريق الاهلي ..أدافع عنة بشدة لاني أجدة رمزا وكاريزما لاتتكرر ودائما أوفق في إقناعه برأيي بعدما يبدى حماسة غير عادية في كل مرة مستندا بأدلة خبراء الفضائيات أن(جوزية) أصبح فاشلا لكني أقنعه أنه الأصلح والأنجح لكل العصور..
أراه نموزج اداري قيادي كفء لابد من التعلم منه في شتى المجالات وليس الرياضه فقط
يخيفني جدآ هذا الصمت ..دوما إستقبال مستشفى عام كبيرة تخدم منطقة واسعه هنا في القاهرة الكبرى في هذه الفترة من النهار ممتليء بالحالات المعقدة الطارئة وبالمرضى ذوى الامراض الحرجة وخصوصا أزمات الصدر فهي منطقة تنتشر بها المصانع وسلوك أهلها الصحي ومكافحة العدوى مثال لا يحتذي به ..
نخاف دوما من الضحك ونقول بعده اللهم اجعله خير .. نخاف دوما من الفرح ونتشاءم رغم أننا كلنا نتسابق للتلويح بعدم دعم هذه الأشياء لكنها ثوابت في الجينات وعلى أطراف الألسنه حتى وإن لم نتمتم بها ..
لايزال الهدوء يلف أرجاء المكان لاكثر من ثلث الساعة .. الفار بيلعب في عبي يا أخ أحمد .. أقولها لأحمد ثم يضحك ويقول بخبرة السنين ما تخافش يا باشا ان شاءالله هاتعدى المرة دي علي خير00و بينما نتجاذب اطراف الحديث تدخل امرأة متشحه بالسواد ترتدى النقاب الذى يشى بزهد فى كل ملذات الحياة وتصوف وتمسك بالدين الحنيف .. على الرغم من هذا الثوب المجسم الخفيف الذى تهتز أردافها بين طياته وهى تتحرك قادمة من بعيد ..تتضح كل قسماتها حتى تظهر جميع الثنيات وهي تقترب أكثر ثم تقترب منى حتى تلفحني برائحتها النفاثة لتطلب منى الكشف عليها (ما كل هذا التناقض العنيف ؟ اتمتم في سرى ) وأنظر لأحمد لأرى لمعة عينى من حصل علي فريسته بعد طول انتظار ..
- ها يا ماما خير ما لك ؟ أقولها بحزم ..
- لا يا دكتور ولاحاجة أنا بس عاوزاك أنت تديني حقنه ..
- أصاب بالذهول .. أنتي لابسه ونازلة من بيتك الساعة 4 وكمان منقبه ودافعه تذكره اقتصادى بثلاثه جنيه عشان بس حقنه 00أصلك ما تعرفش يا دكتور .. المرة الأخيرة فيه خراج كبير جالي بعد الممرضه ادتني الحقنه !!تقولها بدلع00
- أيوه.. أيوه والحقنه إن شاء الله عضل ولا وريد00 أقولها وأنا أنظر لصديقي أحمد الذى ازداد لمعان عينيه ثم تمتم بكلمات مسموعه بجوار أذني (ياعم قوم إديها الحقنه ده كل خميس بتيجي تبص عليك وهي عاوزاك إنت... دي زيها زي المنقبات اللى بيلبسوا النقاب عشان يداري المصايب كأنه ستاره
أقولك أطلبلها أشعه علي الصدر وما تحرمنيشي من الفرصه دي !!قالها
أحمد بنشوه00 ياسلام أد كده أنا بقيت مطمع والله ده كويس بس عموما وأقول بصوت مرتفع محاولآ تصنع الشدة والحزم : يا ماااما أنا بس بكشف وأنا دكتور باطنه وعنايه00
انا مش بادي حقن .. الممرضات بس هما بتوع الحقن ودي شغلانتهم ..
- يا دكتور أنا جايه من أخر الدنيا .. عشان خاطرى ..
- بصي بقي أنا مش هادى الحقنه دي ولاغيرها دي مش شغلتي (يغمزني أحمد متمنيا إعطاؤه هذا الشرف لكنني كنت بخيلآ معه ) أتصل بتلفون كاتب الاستقبال وآمره بإعطاء هذه الانسه قيمه الكشف ثم انظر اليها وأشير ناحية كاتب الاستقبال فاتحا َذ راعي قائلا: ياالله لوسمحتي! 00 تنظر لي عبر النقاب بعينين واسعتين ثم تهز رأسها في يأس .. وتعود أدراجها وهى تزيد درجه الاهتزاز كأنه عقاب على بخلي في عدم منحها ما تحتاج 00 يثور أحمد بخفه دم مقلدا إياي وضاحكا ثم يخبرني أني نادم لأن هذه نعمه ومن يرفس النعمه يندم ..أضحك ثم أقول بصوت عال ..اللهم اجعله خير..
يبدأ إزدحام المكان بالرواد في هده الفترة من اليوم ..زملاء المستشفي من مرضى مزمنين وزوار خفيفي الدم يملأون المكان بهجة وسرورا.. آهو ده الكلام ناس مخدرَة يتحركون في جماعات..عديمي الثقافه والفهم ..جهل ..فقر..مرض والأدهى من ذلك عدوانية وكراهية شديده ..سمات أغلب مرتادي هذا السيرك (أقصد المستشفى طبعا )سمات صعبه في التعايش معها ..ألفاظ سوقيه ..سباب ..صخب في الفرح وصخب في الحزن ..شجار ..غباء..روائح كريهة ..مهرجان ملابس وألون غريبة لكنهم مستمتعين بحياتهم بلذة وهذا هوالمهم..ثقافة البيئه المحيطه..مشكلة المستشفى وجودها وسط منطقه عشوائية مليئة بالبلطجية00تنتشر بينهم المخدرات و الدعاره ولو أن بعضهم غلابة00 أجرؤ دائما على التعبير بما في داخلي من هذه المشاعر التي تعبر عن سمات مرتادي المستشفي وزملأئها الكرام وأعلنها صريحة لكل الأصدقاء من أطباء وممرضين وعمال .. كل مكان فيه وفيه يا دكتور ؟!إلا هذا المكان 00 لو كان لسه فيه أنبياء كان أكيد هيكون هنا هدفهم التالى (أقولها فى كل مرة وأنا أشير بامتقاع لأسفل ناظراً بحسرة لكل من يقول لى هذه الجمله )00 لقد عملت فى أماكن متعدده ورأيت ناس غريبة لكن مثل هذه الصورة القبيحة لم أر00(مفيش زى هنا!!)


فى كل فصول السنه تدب الحياة بشكل شاعرى فى المستشفى ... زحام تام مرضى ومرافقين 00مرضى متعددى الا نظمة من فشل كبدى وكلوى وقلبى وصدرى 00قسم طوارئ ممتلأ بالمواهب الشابه الموتورة من ( (التوك توك ) الوسيلة الأسرع والأكثر رفاهية وحوادث السير والسقوط , الأنتحار ,الوغز الطاعن والقتل العمد أو حتى القتل على سبيل التجديد .. الجو بارد هذه الأيام فى ديسمبر لكن نسبة الإشغال كاملة والنزلاء فى تمام الاعداد ( يتظاهرون بأنهم يجيئون للعلاج وهم يحتاجونه بالفعل لكن مفيش مانع من مسكة أيد ممرضه وهى تعطيهم العلاج أوبصَه حنينه ونمرة تليفون يعقبه حوار)00 هم يتظاهرون بالعلاج ونحن نتظاهر بإعطائهم العلاج 00أغلب الأدوية المهمه إما غير موجوده أو أن أمراضهم غير قابلة للشفاء 00 المهم هذا هو حال المستشفي في جميع الفصول .. حركة مثيرة دائمة لعقارب الساعة ولا تعلم أبدا من اين تأتي المفاجأة ..
قد تأتى حالة مريض بالعناية المركزة توقف قلبه عن الخفقان ..قد تخرج لمصير مجهول بالاسعاف وأنت تدعو بأن تكون الحالة قد ماتت , عندما تصل كي لا تحمل عناءالبحث عن(سريرغير مشغول!! ) وجهد مضاعف لنقل المريض الى المستشفي وكتابة تذكره دخول ومتابعة مراحل علاج 00دورة لاتنتهي00 لكن دائما هناك الجديد00
كان لابد أن أعطي صورة عن المكان والأشخاص طالبي اللجوء للشفاء والأستشفاء .. صورة متكررة لأشخاص مزمني التواجد وآخرون جدد يتحولون قريباً 00 أعطي الصورة كي أذَكر نفسي دائما بعدم الأمان 00 جال هذا بخاطرى عندما دفنت وجهي قليلا على المكتب طالبا بعض الراحة من هذا الكرنفال العجيب الفريد ..شيء سيئ للغاية نوبتجية الاستقبال00 حتى لو كانت مرة في الشهر00 استمتعت جدا بتهربي من مسئولية الكشف على (مأفون) يحرق صدره كجرار قديم من فرط تدخين البانجو و آخر تلوث كبده بالفيروس القاتل وتدلت بطنه وأحشاؤه وأعلنت خلاياه قرب نهاياته ولا يزال يتجرع البيرة بكل حماس00
الهروب أحيانا من هذه الحالات بيكون ممتع أقولها بصوت خفيض لكن يسمعني الأخ أحمد ثم يشير إلي بالنهوض فهناك حالة طفل لا تنتظر التفكير ..أقوم مسرعا وبلا أي تردد أفحصه وأطمئن أهله ..أقول بحزم:
(ياجماعة بلاش أبوه يدخن جنبه !!!!) الواد جاله حساسية في صدره والواد كان هايتخنق .. (أقولها بلهجه محاولا تبسيطها ) موجها اللوم للأب المهمل منتظراً أحكام من الأم والجدة بالموافقه ثم العمل على نسف أحلام الأب الحالية في استكمال المزاج جوار الطفل الوليد .. ارتياح بعد سماع صدر الطفل بعدما أخذ الجلسة ثم مداعبة للطفل وتذكير للام بمخاطرعدم أخذ العلاج ثم رجوعي لمكاني مبتهجاً بمرور حاله طارئه بسلام..
أهلنا وناسنا ولازم نراعيهم يا (أبو حميد)00 إحنا بس محتاجين اللي يراعينا إحنا كمان ..آه والله دي حكومه معفنه شوف مرتبك مثلا وأنت دكتور بعد لما الزمن أخذ منك أكثر ما أعطاك00 شوف الدنيا بقت غالية أزاى!! ..دي بقت ولعة 00يقولها ثم يضرب كفا على كف وهو يحسبن ناظراً لي في أسى وهو يقول :ربنا على الظالم كل ذلك وأنا أركز فى الصوت القادم من بعيد الذى يزداد اقترابه كلما أقترب صاحبه من غرفة الفحص بالأستقبال000 (هسسسسسسسسس)ياأحمد!! لا البلد هتتصلح ولا الأحوال هو بس ربك إللى بيسترها ..!!. اسمع بس واضح ان الحبَة اللى جايين فيهم اثاره ... كل ذلك مع سماع صوت عال وضوضاء تقترب ..سباب بالأهل لعامل السلم فى طريق صاحب هذا الصوت نحو غرفتنا .... صوت حذاء يقترب .... ويقترب .. ثم تتلاقى الأعين ... ويبدأ صوته فى الأرتفاع مجدداً ... وتبدأ قمة الأثارة..
اطلع يالله قدااااامي ..كان الكلام موجهاًلي بكل بجاحه00 نظرت لأحمد واستغربت محاولاً أن أبدى عدم إهتمامي بسبب قله الذوق 00كان فاتحاَ كل ذراعيه وهو يشير إلى أعلى وكان في قمة العصبيه00 كررالكلمه السابقة بصوت اكثر حده ثم اقترب مني اكثر..
بقولك اطلع قدامي ..أخويا فوق تعبان جداً ؟
وهو اللي أخوه تعبان يبقي لأزم يتكلم بطريقة قليلة الذوق كده (أقولها بطريقة عتاب ) 00فجأة ضرب يده علي سطح المكتب فما أحدث دوي تجمع علي أثره بعض العمال والممرضات ثم قال 00 (دكاترة ما عندهاش دم دكاترة ولاد كلب) أخويا بيموت فوق وهو قاعد بيلعب هنا00 موجها كلامه نحوي00 أنا كنت في قمة الغضب مما جعلني أرد علية بنفس الحدة لكن لأسباب: أولآ أنا ما أعرفش مين أخوك وثانيا أنا في نوبة عمل رسمية تحت في ألاستقبال –ثالثا لو أنت بتكلم عن أخوك اللي داخل من ثلاث ساعات في العناية فحالته زى ما سمعت كويسه ..أنا سمعت الزملاء.. د.عمرو بتاع العضم كان بيقول أنه أدخل حالته عندنا في العناية .. اشتباه ما بعد الارتجاج وبها كسور متعدده أثر حادث سير مش كده ؟ قلتها موجها الكلام نحوه بنظره صارمة 00فى هذه الأثناء كان أحمد أستشاط غضبا وأظهر عروق رقبتة واحمرت عيناه مما استثار العصب المسئول عن افراز الادرينالين الذي يزيد في مثل هذه الحالات .. أنت بتتًعدى علينا واحنا بنؤدى وظيفتنا ؟ يا عم الأمين( قالها وهو في قمة الغضب ) لازم تعمل محضر لأخينا ده اللي ما عندوش ريحة الدم .. عندها بدأ هذا القادم يشعر إنه لأبد أن يهدأ شوية ..
أبوس رجلك يا دكتوووور ..يعني عاوزني أبوس رجلك أخويا بيموت فوق ..قالها القادم باكياً00 عندها بدأ الجميع يهدأ وبدأت الكهرباء التي ملأت الغرفة أن تزول كاشفه عن احساس جديد ..على ألاقل لنعرف عما يتحدث .. نظرت للأمين صبري وقلت له ..ياعم أحنا بنشيل الناس فوق دماغنا أنا ما عرفش ماله ! أحنا قاعدين لابينا ولاعلينا وهو نازل شايط كل اللي يقابله يشتمه هو أحنا أهلنا ربونا وعلمونا وسايبين بيوتنا عشان نتهان ؟ رد ألأمين صبري بابتسامه .. يادكتور محمد .. واضح ان أخوه فعلا تعبان00 لازم تسامحه .. الراجل معذور ..وهو مايعرفكش ؟! بس أحنا مش ملطشه ياعم صبري .. هو فيه أيه ؟ قالها أحمد وهو ينظر للرجل الثائر ..
في هذه الاثناء والموقف يشهد بعض اللين دخل علينا صبي يحمل طفل يقل عمره عن الستة أشهر وهو يصرخ بكل ما فيه .. ألحقونا .. أكسجين .. يا دكاااااتره كان صوته مرعوب وكان معاه قبيلة من أقارب الطفل ..يبكون الطفل بيموت ياعااااالم .. الحقوووووونا ...
عندها قمت مهرولآ بسرعة واضعا السماعة على قلب الطفل قبل أن أصل أليه بقدمي وعندما وصلت أليه الثانية التالية مابين خرطوم السماعة و ووصول قدمي عند قدم الصبي الذي يحمله ظهرت علي علامات الارتياح .. ياعم اهدأ .. ده لسه عايش .. ايه فيه ايه النهاردة ؟ قلتها وأنا أزفر زفره حارة بعد زوال القلق وهو احساس يأتينا جميعاً عندما نشعر أن العلامات الحيوية على ألاقل مستقرة وأن الحالة لن تتدهور .. عموماً نظرت للصبي الذي يبكي .. أخذت أربًت على كتفه وأهدأ منه خصوصاً مع وصول أم الطفل التي كانت في أنهيار مع أقربائه الذين تطوعوا باظهار مشاعر الكرم بالصراخ والبكاء حتى يهب الناس لنجدتهم ويشاركان الطفل وأمه في المناسبه 00 أخذت أنادي على عامل أنبوبة ألاكسجين ليفتح ألأنبوبة وأنا أبتسم للطفل الذي كان مزرقاً ألأطراف واللسان وبحالة تشبه الأغماء وأنا استعجل الممرضة أن تسرع وهي تنظر لي نظرة لوم يقول حالها : (يعني يادكتور هي دي أول حالة ما أحنا في الغم ده على طول والواد ابني كان بيرضع والله حرام عليك !!!!!!!) جاءت الممرضة مسرعه بعينين زائغتين وقامت باعطاء ألطفل الأمبول الذي كتبته مسرعاً بيد مرتعشة ومع أعطاء الامبول وأخذ الطفل لجرعة من هذا الأكسجين السحري الذي أفتقدته رئتاه بدأ الطفل يبكي !! عندها هدأ الجميع .. وهنا حدث شيء لم أتوقعه على الاطلاق !!
الشعب المصري عاطفي جداًبطبعه .. شعب يتكلم كثيرا ويفعل قليلاً00 يثور ثم يهدأ ..حقيقه موروثه لن تتغير .. عموماً ماحدث في تلك اللحظه يوضح بشده تلك الحقيقة .. عندما كان هذا الرجل ثائرا وبشده وتطور الموقف معه وتأزم معي جداً وأنفعلنا جميعاً حتي أنني كنت علي وشك تحرير محضراً له .. رغم حضوره بالزي العسكري ورغم صراخه وعناده وقله أدبه في طريقة الطلب ورغم الرد العكسي مني وحتى من أحمد .. رغم كل هذا ..
رآنا بأم عينيه ونحن نهرول نحو حالة لانعرفها نهرع لنجدة طفل قبل حتى أن يصل لمجرد أن نسمع الصراخ وهذا هو واجبنا ومتعتنا رغم كل المعاناة في التعامل مع أشخاص غريبي ألاطوار ومتعددي الشخصيات والنفسيات والعقائد والتوجيهات .. لكنه رأى التعامل .. طفل يلفظ أنفاسه كما تخيل جميع من حملوه وطبيب يتهمه بالتكاسل من لحظات يهرع ويسرع كالصاروخ .. فتنازل عن كبريائه على الفور وفعل عكس كل التوقعات .. استسلم لعاطفته المصرية وككل المشاهد المؤثرة في السينما .. أمسك برأسي (وأنا في قمة الدهشه والجميع كذلك ) ثم مثلها .. قبَل جبهتي .. وتأسف .. وقال : (ربنا يخليكوا لينا وتستحملونا ) !!!
كان الموقف مؤثراً بحق .. التحول من العدوانية المفرطه إلى هذا العرفان كان يستدعي تصفيقاً حاراً لو أننا نشاهد مشهداً سينمائياً .. عموماً كعادة ما يحدث قابلت موقفه بفتور على غير المناسب .. لكن من واقع تجارب سابقة متكررة .. وقلت له من لهجة لاتخلو من لوم : .. علشان تشوف أحنا مش بنتأخر عن حد أبداً 00احنا هنا عشان نساعد الناس كلها لكن ده ما يدكش الدافع إنك تهَزأنا أو تحاول حتى !.. .. المسامح كريم ..قالها في استسلام ثم نظر الى ألامين صبري الذي أبتسم لي أبتسامه رضا ..وقال .. خلاص ياسيدي حقك وصلك .. نظرت نظرة للأمين ذات معنى أن يجيء وعندما جاء همست في أذنيه .. أنا عارف إنك عاوزني أطلع أشوف قريبه مش كده ؟ قال: آه 00الراجل غلبان .. ده واحد صول جيش كان رايح الوحدة بتاعته جاله الخبر إن أخوه ذو الخمسة وعشرين عاما ً حدث له حادث سير أليم ومن الواضح أن الناس دول خليط من الصعايدة .. أسيوط .. والفلاحين .. المنوفيه .. وواضح كمان إن دماغتهم على قدهم يقصد عائلتي ألأب وألام .يقولها وهو يحك أنفه محللا الموقف الراهن00 قلت له .. كل ده في عيني بس الحاله دي مش حالتي يعني ده مش المريض بتاعي ده تبع قسم العظام هي المشكلة كلها أنه أول دكتور يقابله الظاهر كان العبد لله – أنا – وعموماً أنا هاستفسر كويس عن الحاله دي عشان خاطرك يا صبري..
فيك الخير يا دكتور .. قالها ثم ضحك وهو ينفث دخان سيجارته ثم أخذ الجرائد من على المكتب وغمز بعينه أنها معه فواقفت رافعاً يدي وتنهدت تنهيدة حارة .. جداً.. نظر لي (أحمد أشعه )نظرة لوم ثم قال: كيف تتركه من غير محضر؟ يا أبو حميد فيه أيه الراجل أبدى كل الندم وباس الراس وأنا في الأخر لم أقم معه بأي شئ ثم ضحكت بصوت عال (: يا عم إحنا في صفيحة زباله ) بجد حاجه قذرة .. لافيه أمن ولأفيه أمان ولا فيه نظام علاجي محترم حتى .. كله تسديد خانات يا باشا ..إحنا بنكمل المنظومه
( قلتها وأنا أواصل الضحك ) لا يخترقه غير صوت يخرج من شيء يشبه الكاسيت .. بصوت مشروخ .. الكلام لو كان يعبر ع الحنااااان.. كنت قولت إني بحبك من زماااااان .. يا سلام منتهي الشاعرية والروقان00 ياعم أحمد سامع الست شيرين .. بعد العملية .. قلتها(متهكماً على نوعية الصوت الصادر) وأنا مستمر في نوبة الضحك .. العالم بتوع التمريض دول رايقين ولاكأن كان عندنا خناقه .. أدمنا هذا النوع من التوتر والضغط العصبي حتى أصبح روتينًا .. ضحك ثم انتقل الى نفس الحاله من الضحك ثم أقتربت أنفاسه هامساً في أذني .. ياعم عارف البت دي ثم أشار جهة الغرفة المقابلة موجهاً كلامه نحو ممرضة تضع جميع ألون قوس قزح على وجهها وتلوك لبانه محدثه صوت طق طق المميز وتتمايل علي صوت شيرين وهي بترتب دولاب الطوارئ ..مالها يا سي أحمد ؟ قلتها بنبرة لاتخلو من أبتسامه .. قالي مافيها ش دي زى الفل أنا بس كنت عاوز تستمر في الضحك وكان لازم نلاقي حد نكمل الليلة عليه .. قلتله :أنا مش عاوز نميمة خصوصاً إن الجهاز العصبي النهاردة مستفز و مضاء باللون الأحمر .. خلاص هاقولك بعدين دي حكايتها تستاهل سندوتش فول من عربية عم (لمعي ) اللي قدام المستشفى و يسويهولنا على مخلفات أحلي منطقة في الوجود .. أللهم أجلعه خير .. كفاية لحد كده ضحك .. نظرت للساعة فوجدت أن آذان المغرب يتردد في الا نحاء فنظرت لأحمد ثم أخبرته أني سأصعد للوضوء ثم صلاة المغرب وأبحث عن د. عمرو طبيب العظام كي يستلم بعضاً من مرح ألاستقبال وعندما هممت بالوقوف وجدت عمرو فعاجلته بالسؤال : إيه يا عم عمرو ؟ حكاية إيه الحالة اللي فوق اللي أنت مدخلها عندنا في العناية ومن إ متى بتدَخلوا حالات عندنا ؟ بعدين سايبني لوحدي من أكثر من ساعة ونص ليه !!!!؟ قلت كل هذه الأسئلة بسرعة وبصوت عالي حتى يسمعه وهو يقترب حتى أصبح أمام المكتب .. ابتسم ثم أشار الي قائلا:أطلع يا عم شكلك تعبت وكمان وشك مصفر .. يا الله أنا ها طلع أصلي وأريَح شويه كده بتاع ساعة يا الله يا زعيم(كان عمرو أقرب الأطباء إلى قلبي و الا كثر تفاهما معي فى هذه الحظيرة)
قلتها وأدرت ظهري للأستقبال دون أن أهتم بسماع أجوبة للأسئلة السابقة ..
قابلت د/ رأفت بالطابق الاعلى حيث كنا نقوم بالوضوء لصلاة المغرب .. د/ رأفت أبو ضيف أخصائي الجراحة 00أخ أكبر يقوم بشراء العشاء لنا في آخر كل نوبتجية للنواب المكدودين بعد أن يكون قد ذهب لتفقد الزبائن في عيادته الخاصة وحيث أنه أكل عيشه فلابد من ترك النوبتجيه لبعض ساعات ثم العودة ومعه بعض الغنائم لشراء خاطرهؤلاء الاطباء المقيمين00( كل واحد هنا تطبَع بطبع المكان حتى أصبح جزءاً منه ، بقى عارف إمتى يزوغ ومين المريض اللي ها يتحول بالأسعاف ومين المريض المسنود اللي لازم ها يبقا له سرير وتذكرة دخول " وكله بيعدى ) لكن للأمانه الرجل طيب وأخلاقه عالية00 آي نعم ممارسة الجراحة في المستشفى لا تتعدي كونها كتابة تقارير للبلطجيةوالمسجلين خطر وعمل بعض الزوائد لكن غير ذلك هوه فعلاً أحسن من غيره .. يا د. رأفت انت رايح فين ؟ قلتها ونحن نقوم بطي سجادة الصلاة بعد الانتهاء عندما لاحظت انه يهم مسرعاً بالوقوف .. بقولك ايه تعال معايا فيه مريض في العناية (عاوز أطُل عليه) .. أيه دة انت قصدك !!!.. ثم أخبرته على عجل ما حدث من قريب هذه الحاله بالأستقبال وذلك في طريقنا للعناية المركزة وعندما وصلنا كان الموضوع أكبر من كل كلام وأدركت أننا في ورطة حقيقية0000
عند وصولي الرعاية بصحبة د/ رأفت كان أهل المريض حوله(اقصد المريض) مجتمعين .. طلبنا منهم الانتظار خارجا ووضح من نظرة عامة أنهم ناس (لبط ) وعندما نظرت لعين المريض أدركت أننا في ورطة حقيقية.. كانت عيناه تفقدان لمعة الحياة وكانت انفاسه لاهثه
أسرعت أستشعر نبضة .. ضغطه لايكاد يحس ولآنبض يسجل على شاشة المونيتور.. قولتها لـ د/ رفعت في يأس وبصوت هامس:مفيش نبض يا باشا !!!!! وفي نظرة فهمت الممرضة أنه لا أمل لكني صحت بصوت عالي :امبول (ديكادرون ) الان وقومي بتوصيل (المونيتور) وأعدي2 أمبول (أتروبين )سريعاً .. إتصل فوراً بـ د/ ميريت!!!!!! قالها د/رفعت هامساً00 وبلا تردد قمت بالاتصال بـ ميريت على( الموبايل) فلا وقت نضيعه .. يجب أن تصلي بأسرع وقت يا ميريت .. قلتها لنفسي: الموضوع أصبح مسئوليه كبيرة .. المريض على مشارف الموت ( احقني امبول ادرينالين وريدي)..مسألة دقائق فحسب
كل العلامات الحيوية تشير للنهاية .. أقربائه في منتهي الصخب وقلة الأدب يقطعون وجودنا في الرعاية بدخولهم المتواصل مستغلين عدم وجود أمن لتنظيم الدخول .. يهددون متوعدين إذا حدث سوء .. لن تضيف جديداَ عند مجيئها يا د/ رأفت قلتها أقصد د/. ميريت قال : بالطبع فهي محدودة الأمكانيات لكنها مسئولية – يا حبيبي- ولابد من وجودها 00 هي اخصائيه العنايه أما انت فوظيفتك طبيب متدرب خالي المسئوليه0000 كنت متوتراً جداً وأتحرك بسرعة وأطلب تجهيز الأمبولات سريعاً لان كل العلامات الحيوية غير موجودة(أقصد العلامات الداله على الحياة) دائماً تكون الحركة في منتهى السرعة في الرعاية المركزة .. الكل في هذه الأوقات يكون عند حسن الظن – في هذه الأثناء _كان أهله يلاحظون الحركة الدائبة والتوتر الذي نبدو عليه من الداخل عبر الزجاج الخارجي .. كانوا يضاعفون توترنا بصخبهم المسموع .. الرعاية الوحيدة في الكرة الأرضية اللي ممكن تلاقي فيها أطفال بتعلب كوره وناس بتاكل مع أهلها هي هنا- قلتها وأنا أراقبهم عبر الزجاج وأتحدث لـ د./ رأفت والذي عقب: المشكلة إن (جوز) جنيهات للراجل اللي قاعد عند السلم بتاع التذاكر تفتح كل الأقفال عشان كده كل القبيلة دي بالخارج وكله بياكل (يقصد يأخذون نقودا من اجل السماح بزيارة دون الاوقات الرسمية)واحنا اللي بنشيل الهم ونواجه الأزمات ونتلقى اللعنات قالها وأنا أرقب المونيتور الموصل لقلب الرجل والذي لايبدي استجابة لكل ما سبق وعندها دخلت د./ ميريت هالها منظر أهله بالخارج وعرفت كم أن الموضوع حق عصيب حتى قبل أن تصل الينا وعندما أتت علمت علي الفور بالنظرة الأولي00 نظرت إلى غير فاهمة فأعطيتها تفسيراً سريعاً قائلاً : تقريباً الحالة دى مش بتاعتنا نائب العظام د./ عمرو دخلها النهاردة الساعة 2ظهراً حادث سير وبها عدة كسور واشتباه ما بعد الارتجاج وتقريباً الحالة كانت مستقرة _عند هذه الكلمة _ تصبب العرق من د./ رأفت وارتفع صوته :قمت بفحص هذه الحالة عند الرابعة وكانت مستقرة بالفعل إلا من بعض الرعشة والصراخ المعتاد من الألم فأمرت بأمبول مورفين – قاطعته يا د./ رفعت الحالة كان يجب أن تحول لمستشفي أكبر ذات أمكانيات 00وافقني بإيماءة لكنه قال : ما حدث الأن شئ قدري بحت دي (جلطة) حدثت نتيجة هذه الكسور وعملت سده وافقته علي الفور وأكدت كلامه قطعياً بتعبير انجليزيً طبيFat embolism وهمست في أذن د./ ميريت : يجب علينا الأن إبلاغهم وأنت رايتهم كالكلاب المسعورة والممرضات جميعاً يشتكين من طريقة تعاملهم طول الثلاث ساعات السابقة كانت د./ ميريت في قمة التوتر منكوشة الشعر زائغة العينين فهي بطبعها جبانة وتخاف من أى شئ تريد دائما أن تمربسلام نوبتجيتها التي هي 18 ساعه فقط في الاسبوع كل ما يربطها بالمستشفى تقضيها دائما بالسكن تذاكر لطفليها 00(المستشفى كانت بايظة جداً اداريا و علميا) أكدت على كلامي ان المريض قد فارق وقالت : لازم الأول نخرج ونطلب أكثر واحد من الجماعة دول يكون بيفهم ونشرح له القصة سريعاً- هكذا كنا نتحدث بصوت خفيض والستائر مغلقة ونحن الثلاثة أنا ود./رفعت ود./ ميريت والممرضتين مع المريض – أقصد الجثة – وأثناء ذلك سمعنا صوت مع أقتحام لباب الرعاية وصراخ .. توترت الأجواء بشدة مع دخول أقربائه الرعاية ..دراما عنيفه للغاية – يبدو إن إحدى المأفونات المبجلات( أقصد أحدى الممرضات )قامت بتبليغهم بالخبر دونما أدنى مسئولية أو خوف على حياتنا – وها نحن نواجه موقفاً من أصعب المواقف يذهب أحدهم ليحتضن الجثة وأخرى تلطم خدها وآخر يحطم زجاج المكتب ونحن ذاهلون والمفاجأة يقوم أحد البلطجيه بغلق باب الرعاية من الداخل .. الموقف يتأزم .. نحن الأن محبوسون بالداخل ونظرات مرعبه تحمل الويل من هؤلاءالقوم لنا .. ويحدث الكابوس عندما أرى أن آخر من داخل عبر الباب قبل غلقه هو نفسه من قام بالمشكلة معي منذ ساعتين .. دخل وهو يبكي بشدة ويصرخ.. ثم قطع كل ذلك ومسح كل دموعه وأشار إلي ثم أخذ يسبني وهو يقترب أكثر و أكثر .. وكادت الدينا تميد بي وأنا لا أستطيع الرد أو الفرار .. لا أستطيع عمل أي شئ وأنا أتلقى كل هذه الإهانات ولا يستطيع أي أحد تقديم المساعدة 00الكل صامت ذاهل حتى المرضى على الأسرة أخذوا يبكون ، عند اقتراب هذا الأخ أكثر وإحساسي بقرب نهايتي مع تلويحه لي بيده وسبابه المتصاعد جاء الفرج عندما تم أخبارهم أنهم لن يستطيعوا أخذ الجثة الا بعد تشريحها وحفظها في الثلاجة وعندها التفت عني وسار مبتعدا وكله ثورة .. أخذت أبلع ريقي ثم اختفيت وراء ستارة وقمت بعمل مكالمة أطلب فيها نقطة المستشفي للحضور..
بصوت هامس خفيض أقرب إلى الفحيح مستترا وراء احدى الستائر اتصلت بأصدقائى خارج غرفة الرعاية لمعرفة ما يدور حولى وطلب المساعدة من نقطة المستشفى التى علمت أنهم يخافون من الصعود لأن عددهم لا يكفى وعليهم الأتصال بالقيادات العليا أولاً000(يا حلاوة )قلتها فى نفسى وأنا أتصبب عرقاً والتوتر يتزايد..
بعد إجراء المكالمات كان علي الأعتماد على نفسى خصوصاً مع رؤية أهل الجثة مرعوبون من عدم أخذ الجثة 00
أخذت أراقب وأقترب من باب الغرفة رويداً رويدا00 كانوايولولون مرددين عبارات على شاكلة الدم عمره ما هيبقى ميه وانه الغالي و ابن الغالي00
قررت الخروج مهما كلفنى الأمر ومع خروجى سارع نحوى هذا (المأفون) لكنى كنت قد مررت من الباب بأقصى سرعة .
تتبعنى هو وأخوه الآخر مع سيل من التهديدات والسب وهو يعمل للإمساك بي مع تصاعد الاحداث ولكن الحمد لله كان الأمين "صيرى" والأمين "أحمد"موجودان على السلم وأحتميت خلف الأمين "أحمد" مما هدأالرجل نوعاً وعند هذه اللحظة
حدث كل ما كنت أراه وأنا فاغر الفاه فى كل الأفلام الامريكيه فقط ..
أخرج الرجل مسدساً "قيل لى أنه مرخصاً فيما بعد " وقال ملوحاً أياه :
"انت تستاهل عيار نارى وأنا مش هاسيبك يا ابن ال00000000 "لكن الامين "أحمد " كان قد أحاط به ومع ذعر الجميع وأيضاً لم يكن الرجل –ولله الحمد – جريئاَ بما يكفى كى يطلق الرصاص00بلغ الرجل درجة الغضب القصوى
تصاعدت الاحداث بما يكفي لدرجة القتل(هو يرى ان له من الاسباب ما يبرر فعل اي شيء و ان ماحدث لاخيه نتيجة لاهمال عام من المستشفى و بصفه خاصه مني)00
كانت المستشفى فى هذه الحظه تتفرج على ولاأحد يحرك ساكناً ..أنهم يعيشون الأثارة اللحظيه التي فيها تغذية لأحاديثهم وتشويق للقضاء على ملل أوقات الغربة عن الأهل وتمضية وقت النوبتجيه الرتيب00
عموماً كنت أنا فى الأسفل وهو فى الأعلى على نفس السلم وكنت ولله الحمد سالماً لكنى كنت بدأت الانهيار .. لا أعلم فى هذه اللحظة ماذا كان يجرى بالأعلى لأنى عندما وصلت للأسفل لم يكن قد لاحقنى 0000أخذنى عامل الاسانسير وأحد أصدقاءنا الكرام من أمن المستشفى عديمى النفع للأعلى عبر الأسانسير أنتهت فرصة عدم لحاق أحدهم بى كى أستتر فى أى مكان بعيداًعن هذا الجو المكهرب شديد التوتر .
وعندما مررت عبرهذا المسلك الآمن إلى مسكن الأطباء قابلنى أصدقائى " صبحى
طبيب الأشعة و"أيمن " طبيب العظام : فوجئا لمنظرى الذىيوحى أننى خارج من كابوس حتى أنهم لم يسألا عما يعترينى00 فقط أخذانى لغرفة آمنة وأغلقا الباب من الخارج وأخذا المفاتيح معهما لتأمينى التام وسط ذهول منهما00 كان التفاف الكل حولى في هذا الموقف يهون على بعض الشئ ..الكل كان خائفاً على والكل كان متوتراً "ما هى مركب واحده وكل ده ممكن يحصل لأى حد وفى أى وقت"!!!!
عندما أغلقت الباب خلفى وليس معى مفتاحه حاولت أن أستريح لكن لم أرتح … كانت ضربات قلبى آخذه فى الخفقان ولا زلت غير مصدق لما حدث !!1عمرى ماكنت مشاغب وطول عمرى باجرى على المرضى وباكشف عليهم بفلوس ومن غير وساعات باشترى لهم الدوا على حسابى كمان وضميرى صاحى وقلبى على المريض
جاء هذا الخاطر فى بالى وأنا أقيَم الموقف …
أنا بتقبل كل ما يجرى بصدر رحب لأنها ليست المرة الأولى فالأهانات والشتائم والبصاق ليس بجديد لكن الطريف فى هذه المره أنها الأولى بمسدس وقد تكون الأخيرة لوكان جن فى عقله .
كنت أضرب كفاً بكف وأنا أحسبن على ما آل إليه حال الوظائف الخدمية معدومه الأمن وخصوصاً بعد هجمه الجرائد والفضائيات على الأطباء واعتبار اخطائهم سبقاً فآخذو يغترسوننا على موائدهم ..وبكل نهم….
ده مش وقت فلفسه …أنفد بجلدك "قلتها لنفسى وأنا مطرق الرأس مصفر الوجه والغرفه مظلمه مغلقه يحرسها أصدقائى الطبيبين
كنت قد بدأت أصير اكثر اتزانا وحيويه مع مرور الوقت ولم يقطع تركيزى سوى الكثير من الاتصالات التليفونية من الذين علموا بالأمر وكان أكثرهم تأثراًٍ رئيس القسم ففى الوقت الذى ينبغى على أكثر شخص فى العالم حمايتى لانها مسئوليته وارسال وسيله لانقاذى يتصل بى بكل جبن وخسه ويقول لى :أتصرف ربنا معاك..
بعد هذه المكالمة لم يكن علي انتظار حصان إغريقى يأتي لكن يحملني بعيداً عن هذا الجنون .. بدأت ارسم أستراتيجيتى للهروب مستخدماً ألاسعاف .. عربة الأسعاف الحبيبه هي التي ستقوم بنقلي من هنا إلي الخارج فهم لن يفتشونها ولن يرتابوا بمن فيها لأن عربة الأسعاف لها قدسيتها وحرمتها الخاصة ..
اتصلت بالإخوان أسفل لأستعلم منهم عن سير الأحداث وجاءتني الانباء أن هولاء القوم رأسهم وألف سيف ياخذون الجثة بأي شكل وهم أربعون فرد أواكثرفي انتظارالاوامر00فالمتوفي كان عزيزاً على الكل وله اياد بيضاء في البلطجه ولابد من رد الجميل .. سالت عن عربة الاسعاف فوجدتها بالخارج وعندها أخذت أرتجف وأنا أبحث عن بدائل وأصدقائي أيضاً بالخارج يحاولون تدبير أي مخرج.. علمت أيضاً أن مدير المستشفي وكبير أستشارى العظام والجراحة مجتمعون بغرفة المدير لبحث امراخلاء المسئوليه باستكمال وتعديل أي خطأ طبي يستغل فيما بعد اداريا في التذكرة .. وعلى حد ما علمت أن للمتزفي قريبا يعمل سكرتيرا لمستشار في مجلس الدولة ويقوم باتصالاته لاخز الجثه ويقوم بتحريض الكل ضدي وضد ادارة المستشفى .. يا ابني ده كمان سأل عنك وعرف أسمك وبالاضافة إلى إنهم منتظرينك لإعتقادهم التام انك المسئول الأول والأوحد عن هذه الكارثه كما أنهم سيسلكون المسالك الشرعيه أيضا لمعاقبتك وملاحقتك قانونيا وأنت تعلم يا حبيبى والكلام لا يزال لصديقى 00 أن كل الصحف والمجلات والقنوات الفضائيه تبحث عن هفوات الأطباء خصوصا مع السمعه السيئه التي تتمتع بها المستشفى عموما لاتقلق وسبيها لله .. ونعم بالله .. أغلقت الخط ثم قمت بالتبول في شيء بلاستك لم أتبين ملامحه ولعله كان (كيساً)00 لقد كنت خائفاً ولعدم وجود حمام بهذه الغرفة 00أنا لن أنتظر خروجي ومثانتي تضغط علي بشده حتى استسلمت لها وتبولت .. كنت لاأزل أرتجف والظلام حالك مع برودة جو
اخر ايام ديسمبر مما يعطي جو أفلام الرعب .. يالها من نهاية.. هذا ما كنت أحلم به .. أن ينتهي بي المطاف في غرفة مظلمة موصودة من الخارج ..انظر بين ثنايا باب الغرفة واكلم من بالخارج ليطمئنوا علي ويطمئنوني00 وتكبر القصة أكثروأكثر..
كانت الاثارة في أوجها .. المدير مع ألأخصائين يحاولون الخروج بلا خسائر ولأن المريض كان لابد من نقله على الفور وبقاؤه أو عدمه لم يكونا ليغيرا من القدر " لكن مستشفى إمكانيتها لا ترقى لعمل جراحه لاستئصال الزائده بالتأكيد لن تتعامل مع مريض به كسور متعدده ونزيف داخلى بالأضافه إلى قبيلته البلطجيه وهناك ايضا العمال والممرضات ونقطة الشرطه الكل متفاعل لأقصى درجه من الإثارة "وأنا البطل "
من ورق "00
وعلى الورق00
طرقات على الباب من الواضح أنها طرقات صديقه هذا ما تنم عنه شكل الطرقات وايقاعها "استبين الطارق فيقول انا (محمد سيد)
(الدار امان يادكتور) إفتح بس "
افتح الباب وادخله بسرعة "أخذ نفسا عميقا "ثم بصق وأردف قائلا "حضَر نفسك يا باشا أنا اللى هاخرجك منها على خير00"انا فداك يا باااااشا
أنا على أعتاب التاريخ .. محمد سيد مريض القلب الذي يتهاوي أمامي مرتين علي الأقل كل شهر لانتكاسه في القلب (مريضي المزمن يحتاج لتغيير أكثر من شريان في القلب وغير مسموح له بالتدخين لكن اكل عيشه انه مشارك في قهوة علي ناصية المستشفي ) هو يحبني لأني أنقذت حياته – كما يقول – أكثر من مرة 00بالفعل اكتشافي لجلطة حديثه بقلبه وشفاؤه منها جعل مني بطلا00 عمموماً هذا إعتراف بأن الخير من الممكن أن يعود لك في يوم من الأيام .. أتردد في التفكير .. وافقت على الفور وطلبت منه أن يعطيني لمحة عن فكرة تنفيذ عملية هروبي ..زكرني هزا بطريقة هروب (محمود عبد العزيز)في فيلم الدنيا على جناح يمامه000 أولآ يا دكتور محمد .. والكلام علي لسانه بالطبع أنا خلاص معاك ومفيش مخلوق يقدر يمس شعرة منك ده أنت يا راجل أحيتني بعد ربنا ولو حصلك حاجة عزبة سعد كلها هتولع في المكان00زاد توتري ولم أسال عن عزبة سعد ا للي من الواضح أنها أرض بها ناس جدعان وولاد بلد أو بلطجية 00أصدقاؤه على الأقل هناك من يقدر على المساعده أو من ساقه القدر لك (يا معلم) .. لم يطلعني على التفاصيل لكنه كان متأكداً للغاية لأنة قادم للتو من أسفل ويعلم أنهم يسدون منفذي الخروج – من وإلي المستشفي بسياراتهم وعددهم يبلغ أكثر من ثلاثين فرداً أتو من قريته بالمنوفيه سريعاً بعضهم ينتظر أمام المشرحة حتى يرى ما سيحدث ..لم يكن قرار خروج الجثة قد حرر بعض00 والبعض الأخر يتربص لك أمام مداخل المستشفي 00كلهم يريدون الثأر لمقلة العين .. نزلت معه من الباب الخلفي .. كما قلت يوجد باب خلفي لكن لا يوجد مخرج غير معلوم .. أي ليست المشكلة في داخل المستشفي .. المشكلة في الخروج منها الأن .. أنا حالياً أمام الوسيلة والاشخاص الذين معهم سأخرج الى بر الامان .. كنت في مستوى الحدث لكن لم أتخيل قط أني سأخرج من هنا عبر تلك الدابة ..تجمدت عيناي وكنت ذاهلاً ..( يا باشا أحنا فداك) قالها أحد أصدقاء محمد سيد الذين كانوا ينتظروني لتنفيذ عملية هروبي واحد ومعه ثلاثة آخرين لا يعطون الثقة في حمل كوب ماء 00ضعاف للغاية زملاء محمد في العنبر الداخلي فوق .. أثنين منه مرضي ذات الرائة المزمنة
مع قصور في الشريان التاجي والاخر سائق هذا المكوك وأنا مع محمد سيد في مواجهتهم لكني عرفتهم عندما دنوت أكثر ..كنت أحاول أن أتعايش ولم يكن بيدي الاختيار .. لابد أن أقبل وأسلم أمري لله لكن الذهول ليس من الأشخاص .. وهم بالطبع كل ذهول لكن that’s what I got قلتها لنفسي هكذا .. وهم متطوعون من أهل المنطقة ويشاهدون الكثير من هذه الأفلام حتما .. مصدر ذهولي الاعظم كان هذه الدابة .. أنت ما تعرفش يا باشا قالها وهو يلوح بسيجارته – ما الذي أستطيع فعله بهذا التوك توك .. اذن هذا التوتوك .. هو دابتي المنتظرة ووسيلة الفكاك وهؤلاء الأبطال البواسل هم من سيعبرون بي مع سيطرة ميلشيات العدو على المعابر .. مدوا الي أيديهم بالسلام .. عرفوني بأنفسهم ثم أبلغوني بخطتهم الرشيدة ..( دى دماغ جااااااااااامدة ).. قلتها وأنا أحييهم – رغم أرتجافي فحتى مع نسبة فشل واحد بالمئة سأكون قرباناَ ولاتهزأوا بالموضوع – بالفعل أهل الجثة يستطيعون انهاء حياتي بكل سهولة 00 واضح من مدى البطش الظاهر أنهم جادون .. انزلقت بجسمي وسط هذه الكائنات واندسوا جميعاً معي في التوك توك أثنين بجواري مرضى الصدر بالداخلي كلاهما أنحف من قلم الرصاص ويدخن مثل قطار قشاش وفي الامام محمد سيد المخلص وبجواره السائق الواثق لقد صرنا كلنا واحداً داخل هذه الدابة00 قاموا بجلب ملاءة كبيره ووضعوها علي جانبي التوك توك حتى لايظهر من بالداخل للعيان .. كانوا بحق محترفين رغم مرضهم وهزالهم الشديد 00 كانوا واثقين وأنا الآن لست وحدي .. فلنر العاصفة إذن .. كانوا كالكابوس ..أهل الجثة .. يلوحون من بعيد و نحن نقترب بهذه الدابة وهم يقفون عند بوابة الخروج كانت دقات قلبي تخفق بشدة ونحن نقترب ونقترب .. ونحن نعبر البوابة لم يعترضنا أحد .. لم يكونوا يتخيلون بالطبع أن هذا.. التوك توك .. الوسيلة المحببة الفقيرة هنا في هذا الحي الشعبي جداً والذي يستخدم لنقل المرضي من باب الطوارئ يوجد به مرادهم وطلبهم .. حمدت الله وأنا أعبر البوبة وظللت أحمده حتى وصلت الى الشارع الرئيسي .. شكرت رفقاء الكفاح بشدة وفي مشهد أعجز عن وصفه أحسست بموسيقي عمار الشريعي في أذني وأنا أشكر محمد سيد عندما نزل وهو يربت على كتفي ويقوم بتقبيلي ..
أحسست أني قمت بتفجير مدمرة من مدمرات العدو وها أنا ذا أتلقى التهاني .. لم يكن أحساس الأمان قد أكتمل بعد .. من الممكن أن يكونوا في اثري وهذا المكان ليس مكاني ولابد أن أسافر الي بلدي الحبيبة طنطاحيث الاهل و الاصدقاء و الحمايه00 فإلى الموقف 00 كان المنادي ينادي بصوت عالي طنطا واااااااااحد ... أنا هذا الواحد .. دسست نفسي في سيارة (الميكروباص) حيث أهلي وبيتي 00أحساس آخر بدا يسرى عبر عروقي .. أحساس بالامان .. أتصل بي وأنا في الطريق كل من يعرفني في المستشفي حتى مدير المستشفي اطمئن علي وتنهد عندما علم أني في الطريق للمنزل .. بالطبع مسؤوليته هو الأخر كبيرة .. كانوا يرون كل شئ ولكن لم يفعلوا شئ .. الحياة مليئة وكان نصيبي أن أتحسس طريقي مع مجموعة من الكائنات الحية التي تحتاج للرعاية المركزة أغلب الساعات في اليوم الواحد 00 ترك هذا الموضوع أثراً بالغاًفي نفسي حتى أني كنت أريد الانتقال من المستشفى00تناثرت المواضيع والاخبار بشدة في الأيام الي تلت الحادثة وكنت بطلاً لأحاديث هذه المستشفى بلا منازع00 كنت الراوي و المجني عليه 00جلسات العمال وهمسات الممرضات بإضافة او نقصان وكان السؤال الدائم:صحيح اترفع عليك مسدس!هربت فعلا في توك توك؟شوفتوا يا ولاد ده حبسوه في اوضه؟يا عيني 00

دائما المناطق الشعبيه تعشق التراجيديا غير التقليديه والاثاره فما بالك بمجتمع مغلق مثل المستشفى 00عموما كنت نجما ً لهزه المستشفى بلا منازع و زادت شعبيتي في الايام التي تلت الحدث000
كنت أحس بالخوف والهلع كلما ذهبت للمستشفي فالمنطقة مليئه بالبلطجيه والشيطان شاطر 00وحاستي السادسه لا تزال بخير ترفع من درجة استعدادي و توتري كلما كنت في طريقي الى هناك في اي نوبه من نوبات العمل لكن الجميع كان يطمئننى ان هزه كوابيس و اني ابالغ بشده في هواجسي (انسى يا دكتووووور احنا شفنا بلاوي اكتر من كده بكتير وكله بيعدي 00الفرح بيعدي والجرح بيعدي وكله بيتنسي 00الدنيا تلاهي )
وبعد شهر من الاحداث السابقه واثناء مروري الاعتيادي خلال النفق00
النفق المؤدى إلى الجانب الآخر خلال طريقي الى المستشفى و يبلغ زمن المرور فيه أكثر من دقيقة .. رائحته كريهة ومزدحم بالبشر ودائما رطب من امتزاج مياه الصرف(غير الصحي) والأنفاس والعرق .. الظلام دامس فى أغلبه إلا من بعض مصابيح ..كل من يجيء للقاهره من الدلتا لابد اجباريا ان يعبر انبوب القمامه هزا قبل ان يفكر في وسيلة المواصلات التاليه00 وسط كل هذا المزيج الذى ألعن نفسى كلما عبرته لكنه طريق حيوى ليس له بديل يوفر على أكثرمن خمس دقائق00
فجأة 00التقت عينانا ..


السواد فى كل مكان من حولى .. لكني تميزته وهو تعرفني على الفور .. أخيه ! اخو الجثه التي ساقتها الاقدار لي000
التقينا تحت مصباح يرمى ضوءاً باهتاً خافتاً .. وكأنما كان يحلم بى .. لم يكذب الخبر .. يد قويه للغاية أطبقت على معصمى مع صوت يقول :
" مسير الحى يتلاقى يا دكتوووور " :
كانت المفاجأة تغمرني00
السواد فى كل مكان وأنا أشعر بالاختناق مع زيادة (الاردرينالين) وتدفقه إلى جميع أعضائى .. حاولت التملص منه .. حاولت الصراخ .. إلا انى لم استطع !
كل ما أتذكره انى هنا الآن على سرير بالرعاية المركزه و بعد أن استعدت الوعى أقوم بكتابة ما حدث
على نفس السرير الموجود بالرعايه00
سرير الجثه 00